كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



38- ثم قال جل وعز: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [آية 38] أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} والمتاع المنفعة والنعيم.
39- وقوله جل وعز: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} [آية 40] قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فاقاما فيه ثلاثا والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه.
40- وقوله جل وعز: {فأنزل الله سكينته عليه} [آية 40] يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه انه قال: {لا تحزن إن الله معنا} وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح.
41- وقوله جل وعز: {انفروا خفافا وثقالا} [آية 41] في معنى هذا أقوال منها أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا وقال المقداد لا أجدني الا مخفا أو مثقلا وقال الحسن في العسر واليسر وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة: {انفروا خفافا وثقالا} وقال أبو الضحى كذلك أيضا ثم نزل أولها وآخرها وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {انفروا خفافا وثقالا} قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وأنزل الله عز وجل: {انفروا خفافا وثقالا}.
وروى سفيان عن منصور في قوله: {انفروا خفافا وثقالا} قال مشاغيل وغير مشاغيل وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة وقال قتادة نشاطا وغير نشاط وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف منه الذي لا عيال له وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة والمعنى انفروا على كل الأحوال ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن {انفروا خفافا وثقالا} قال في العسر واليسر وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه.
42- وقوله جل وعز: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك} [آية 42] العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها.
43- وقوله جل وعز: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [آية 43] أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور {فإن استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم} ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} [آية 44].
44- وقوله جل وعز: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} [آية 46] التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله.
45- وقوله جل وعز: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} [آية 47] الخبال الفساد وذهاب الشيء.
46- ثم قال جل وعز: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} [آية 47] الايضاع سرعة السير قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم وقال غيره بينكم وقيل الفتنة هاهنا الشرك.
47- ثم قال جل وعز: {وفيكم سماعون لهم} [آية 47] فيه قولان أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده.
والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل.
48- وقوله جل وعز: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} [آية 49] فيه قولان قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر.
قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا.
49- وقوله جل وعز: {إن تصبك حسنة تسؤهم} [آية 50] أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك وقال مجاهد معناه حذرنا.
50- وقوله جل وعز: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} [آية 51] في معناه قولان: أحدهما إلا ما قدر الله علينا والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم وكذلك معنى {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [آية 52].
51- وقوله جل وعز: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} [آية 55] فيه تقديم وتأخير المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون ثم قال وتزهق أنفسهم أي تخرج.
52- وقوله جل وعز: {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون} [آية 57] قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران والمدخل الأسراب قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء ومنه فرس جموح.
53- وقوله جل وعز: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا} [آية 58] قال مجاهد أي يروزك ويسألك وقال قتادة أي يطعن عليك قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب.
54- وقوله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [آية 60] قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين الصحيح المحتاج وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل.
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر.
فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها وقال اهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له وأنشدوا أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر} قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها.
وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة.
55- ثم قال عز وجل: {والعاملين عليها} [آية 60] وهم السعاة ومن كان مثلهم.
56- ثم قال تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} [آية 60] قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه.
57- ثم قال جل وعز: {وفي الرقاب} [آية 60] أي وفي فك الرقاب قيل هم المكاتبون وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين.
58- ثم قال جل وعز: {والغارمين} [آية 60] قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا: لعيالهم وروي عن أبى جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في معصية فقضي عنه فقد اعين على المعصية والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا ثم قال تعالى: {وفي سبيل الله} أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج {وابن السبيل} روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى ارض قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ ماله قالت الفقهاء ابناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف واي صنف أعطيت منها أجزاك وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات لفقراء والمساكين قال في ايها وضعت أجزأ عنك.
59- وقوله جل وعز: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن} [آية 61] قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم.
60- ثم قال جل وعز: {قل اذن خير لكم} [آية 61] أي إن كان كما قلتم ثم أخبر انه يؤمن بالله ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى ان معناه قل هو مستمع خير لكم.
61- وقوله جل وعز: {والله ورسوله أحق ان يرضوه} [آية 62] المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله وقال غيرهما المعنى ورسول الله أحق اين يرضوه وقوله جل وعز: {والله} افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك.
62- وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله} [آية 63] معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حد غير حده.
63- وقوله جل وعز: {يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم} [آية 64] قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا.
64- وقوله جل وعز: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} [آية 65] فالمعنى ولئن سألتهم عما قالوا قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك ايطمع محمد ان يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فدعا بهم فقال اقلتم كذا وكذا فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب.
وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب.